کوئی عنوان نہیں

الفاء الفصيحة :

 هي الفاء التي تُفصِحُ عن محذوف في الكلام قبلها، يكون سببًا للمذكور بعدها؛ كالفاء التي نراها مذكورة بعد الأوامر والنواهي؛ بيانًا لسبب الطلب .
 وسميت فصيحةً؛ لأنها أفصحت عن المُقدَّر قبلها، وأظهرت أن في الكلام شيئًا محذوفًا، فمبناها على الحذف اللازم، وكمال حسنها وفصاحتها في كونها مبنيةً على التقدير، مُنْبِئة عن المحذوف .
 
وبالنظر في كلام العلماء عن هذه الفاء، وتحديد موطنها، ووضع ضابطِها، تبيَّن أنهم مختلفون في ذلك على مذهبَيْن:

المذهب الأول :
 مذهب الزمخشري وموافقيه (الجمهور) أن الفاء الفصيحة "لا تقع إلا في كلام بليغ"  هي الفاء الدالة على محذوف قبلها في الكلام، فإن كان المحذوف شرطًا، فالفاء فاء الجواب، ومدخولها جملة الجواب المسببة عن جملة الشرط المقدَّرة مع الأداة قبلها؛ "فتكون الفاء إذ ذاك رابطةً لجملة الجزاء بجملة الشرط المحذوفة هي وحرف الشرط" .
 وإن كان المحذوف غيرَ شرط، فالفاء الداخلةُ على الجملة المسببة عن جملة محذوفة قبلها - هي الفاءُ العاطفة، ويشملُهما معًا اسم الفاء الفصيحة، وقد قُدِّر ذلك في آيات، منها:
قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 54]، ففي الآية ثلاث فاءات: الفاء الأولى للسببيَّة لا غير؛ لأن الظلم سبب التوبة، والثانية للتعقيبِ، والمعنى: فتوبوا، فأتبعوا التوبة القتل تتمةً لتوبتكم، والثالثة هي الفاء الفصيحة التي أفصحت عن محذوف، وله وجهان:
أحدهما: أن يُقدَّر هذا المحذوف شرطًا منتظمًا في كلام موسى عليه السلام، وهو محذوف مع أداته، والتقدير: فإن فعلتم فقد تاب عليكم.
 والثاني: أن يكون الكلام خطابًا من الله لهم على طريقة الالتفات، وهذا المحذوف سببٌ للمذكور، والمذكور المسبب معطوف عليه بالفاء، فيكون التقديرُ: ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم .
 وقوله جل جلاله: ﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ﴾ [البقرة: 60]، فالفاء في (فانفجرت) أفصحت عن جملة شرطية محذوفة مع الأداة، والتقدير: فإن ضربت فقد انفجرت منه، أو أفصحت عن محذوفات في الآية هي سبب لما بعدها، والتقدير: فضربَ موسى بعصاه الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، فاكتفى بالمسبب الذي هو الانفجار، عن السبب الذي هو الضرب، وهذا الفعل المحذوف معطوف على (فقلنا)، وهذا الحذف لـ(فضرب) دالٌّ على كمال سرعة الامتثال، حتى إن أثره - وهو الانفجار - لم يتأخَّر عن الأمر .
 ويرى ابن عصفور أن المحذوف هو (ضرب) وفاء (فانفجرت)، والفاء الباقية فاء (فضرب)؛ ليكون على المحذوف دليل ببقاء بعضه .
 
والمذهب الثاني: 
أن الفاء الفصيحة هي: "الفاء العاطفة إذ لم يصلح المذكور بعدها لأن يكون معطوفًا على المذكور قبلها؛ فيتعيَّن تقدير معطوف آخر بينهما يكون ما بعد الفاء معطوفًا عليه، وهذه طريقة السكَّاكي فيها، وهي المثلى"[9]، فقد قال: "وانظر إلى الفاء التي تُسمَّى: فاء فصيحة في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 54]، كيف أفادت (فامتثلتم فتاب عليكم)، وفي قوله: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ ﴾ [البقرة: 60] مفيدة (فضرب فانفجرت)" .
 فهذه الفاء هي التي يُحذَفُ قبلها المعطوفُ عليه مع كونه سببًا للمعطوف من غير تقدير حرف الشرط، وقال بعضُهم: هي داخلة على جملة مسبَّبة عن جملة غير مذكورة . 
منقول
جدید تر اس سے پرانی

رابطہ فارم